• ٧ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٥ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

أيها الشاب.. وازن شخصيتك

د. جايلورد هاوزد

أيها الشاب.. وازن شخصيتك

◄حياتك هل اتجهت نحو الخارج أو نحو الداخل؟ فإذا كان لديك الحالة الأولى فيعني هذا أنّك على المواضيع والأعمال الخارجية. وأما الثانية فيعني أنّك تجد مصلحتك في الداخل حيث السعادة في حياة الروح والخيال.

الإنسان المتوازن يجد نفسه بين الاثنين. محاكاة واقعية لجسمه ذي الجهتين، الشمال واليمين. فيصبح في الوقت نفسه، حيوياً ومستسلماً، يعطي ويأخذ.

ظروف الحياة تحدد الجهة التي يجب أن تهيمن على الجهة الأخرى، منذ بداية عمرنا وحتى شيخوختنا. فالرجل الذي لديه امرأة وأطفال، والمرأة الأرملة مع أطفال صغار، والعازبون الذي يهتمون بأهلهم وإخوتهم الصغار. كلّ هؤلاء وسَّعوا جهة اليمين أو الحيوية في شخصيتهم، وأصبحوا - منذ البدء- كباراً، مصارعين في عالم التنافس هذا.

ومن الجهة الثانية، الرجال والنساء المترفون، ليس لهم إلّا أن يهتموا بأنفسهم أو عابري سبيل لذلك فإنّ هيمنة جهة الشمال على شخصيتهم أمر طبيعي. أصبحوا تابعين، مقودين كما أصبحوا حالمين وليس رجال أعمال، مشاهدين وليس مشتركين بصراع الحياة.

 لا يهم في أية جهة كنت، أثناء النصف الأول من حياتك، الآن هو الوقت المناسب لموازنة شخصيتك. لديك فرصة، فغامر ولا تدعها تفلت من يديك وذلك بتوسيع الجهة المعمورة من شخصيتك. أنظر إلى منبع الطاقة المخبأة فيك، وغير المدركة، تَرَ أنّها جاهزة كلّها للانفجار.  

إبحث عن منبع لأفكار جديدة، عن ينبوع ثقافي جديد، عن فتح آفاق جديدة عن رؤية جديدة إلى الحياة.

هل كان انشغالك الأساسي، حتى الآن، هو اكتساب معارف جديدة، ذات بعد مادي؟ تعلَّم الآن أن تبقى مع نفسك، جِدْ لها عملاً واحداً يشغلك. فكّر بالربح القليل والعطاء الكثير، واستبدل الأفكار بالعمل.

هل تخشى الوحدة؟ جد لنفسك مصالح خارجية، ومناسبات للالتقاء بأشخاص جدد. وأعمالك، هل هي ذات قيمة روحية وثقافية بعيدة عن المادة؟ إذاً، جد الرغبة في نفسك من أجل سيارة جديدة، وفكِّر بالقيام برحلة بعيدة أو أي شيء من هذا القبيل يزرع التجديد في حياتك، واضعاً المال على حدة. هل تعيش في برج من العاج؟ إذاً عليك البحث عن صلات حقيقية لك مع العالم. وإذا كنت من الذين تهمهم السياسية والبورصة والأعمال، فادرس مشاريع جديدة وحاول أن تجيب على كلّ الأسئلة التي تخطر لك.

هل تظن أنّك ستكفي نفسك بنفسك؟ حاول أن تتعاون مع الآخرين. هل أعطيت دائماً ؟ اترك هذه المتعة للآخرين. هل أنت ثرثار؟ إبدأ بالاستماع إلى الآخرين. تابع دروساً في مواد لا تعرفها أبداً. أأنت رزين؟ ثقِّف الجهة العابثة من صفاتك. أأنت من الذين يبقون في المنزل؟ أأنت محافظ؟ إتبع خطراً مقصوداً، ومن وقت لآخر امضِ ليلة سهر حتى الصباح، وابقَ في السرير كلّ نهار الغد. فلا يوجد إلّا العوانس، اللواتي يفعلن دائماً الشيء نفسه في اللحظة نفسها.

وازن إحساسك

العمل الذي يعجبك يفجّر فيك القوة الجسمانية والعاطفية. وفي النصف الثاني من حياتك يجب أن يكون عندك أحاسيس متوازنة.

في مرحلة الشباب، تكون القوة العاطفية سليلة الظروف فحسب. الأهل والأساتذة يجعلون الطفل مجتهداً في المدرسة. وحب العائلة، وزهو النصر، والافتتان بالعظمة، والرغبة بالنجاح هي عناصر القوة العاطفية للشباب.

في النصف الثاني من حياتك، ولكي تبقى عاطفتك قوية ومتوازنة جداً، عليك أن تقع في حب الحياة للمرة الثانية.

فإذا كنت متزوجاً، فقعْ من جديد في حب الشريك الآخر. وقد برهنت الإحصاءات أنّ المتزوجين يعيشون أطول مدة من العازبين، وأنّ عواطفهم متوازنة أكثر، وأنّ حياتهم منتظمة أكثر (يأكلون أيضاً بانتظام). والزواج، غالباً في سن متقدمة (بخاصة)، أفضل من زواج الشباب، لأنّه يمزج الحب بالصداقة، فهو أكثر واقعية، وأقل حماساً وأقل تعرضاً إلى مشاكل مادّية.

إنّني لا أتكلّم على زواج الشتاء والربيع، الذي - إلّا بحالات نادرة- يُحكم عليه بالخسارة منذ البداية. ولكن أتكلّم على زواج متكافىء، لأُناس من عمر متقارب. وأفضل الأزواج الذين أعرفهم، تزوجوا بين الستين والسبعين من العمر.

وازن بين صداقاتك

لا ترفض هذه الفكرة إذا كنت غير متزوج، ولا تقفل الباب أمام المغامرات، بل وازن صداقاتك بين أبناء جنسك والجنس الآخر. إبحث دائماً عن الصداقة، إبعث صداقاتك القديمة من رمادها، وفتش عن صداقات جديدة باستمرار.

 يقول السير "صموئيل جونسون": "يجب على الإنسان أن يحافظ على صداقاته بأحلى صورة": والصداقة لا تعترف بالفارق بين الأعمار. فإذا لم يكن عندكم أطفال، فعوِّضوا عن ذلك باتخاذ أبناء الآخرين وأحفادهم، أصدقاء لكم. اهتموا بهم، وامنحوهم ما تستطيعون من حكمة، وخبرة، ومعرفة، وعاطفة. أحبُّوا جيرانكم، وتمثَّلوا دائماً قول الدكتور(A. Linke): "إنّك في اتحادك العميق والغريزي مع الحياة، يمكنك أن تجد الفرح الأكبر"، وإذا كنتم تشعرون بأنّكم مواطنون من العالم، فانتبهوا إلى أنّ مصلحتكم تمتزج بمصلحة الآخرين، وتصبحون معاً روّاد رحلة الأمل الكبرى.

وازن مصاريفك

برنامج "عش شاباً، تعش طويلاً" لا يصبح كاملاً، إذا لم يعالج توازن الميزانية المادّية. فنظام متوازن، وحياة متوازنة، ومشاريع متوازنة؛ كلُّ هذا يصبح مستحيلاً إذا لم تكن الميزانية متوازنة.

أعرف أنّه أثناء عملي كلّه، يمكن أن يقال عني "انظروا رجلاً بعيداً عن الحياة العملية، يقول لنا: اذهبوا إلى أفضل دكتور، واشتروا أفضل الفيتامينات والمعادن، واستشيروا أخصائياً جيداً للجلد، واشتروا أحذية جيدة، وثياباً متناغمة، واذهبوا عند أفضل حلّاقي الشعر، أو صالونات التجميل. تعلّموا دروساً في البيانو، ودروساً في الرقص فكيف للموطنين الذين يبلغون من العمر الستين سنة أو السبعين أو الثمانين، أن يسمحوا لأنفسهم القيام بهذا الشيء، في كلّ أيامهم حتى عمر المئة سنة"؟.

في الحقيقة، إنّ برنامج "عش شاباً، تعش طويلاً" هو عملي وواقعي، فهو لا يقترح عليك صرف المال أكثر من السابق، أثناء النصف الثاني من حياتك، بل يقترح عليك فقط صرف أموالك بطريقة مختلفة.

يقترح عليك مثلاً، أن تصرف الأموال لشراء عناصر بناءة، ولنطام غذائي مفيد، بدل الشوكولا ذي القيمة الغذائية المتدنية، أو المقبّلات المثيرة. إنّه يقيرح عليك، أن توظّف أموالك في طقم أسنان يناسبك تماماً، بدلاً من عملية أمعاء سببها مضغ سيء. يقترح عليك، اقتناء أحذية رائعة للمشي، بدلاً من أخذ التاكسي والأوتوبيس، ودروساً في الرقص أفضل من طاولات القمار، وحبوب الكالسيوم بدل السيجارة، ودروساً للبالغين أفضل من الأفلام الرديئة، والعمليات التجميلية بدل الانهيار العصبي الذين يجعلك تخسر أموالك ووقتك وصحّتك.

من جهة ثانية، في برنامجنا، يجب أن تعمل بتوازن؛ والفكرة السائدة أنّه من الواجب الزهد في سن الخامسة والستين، هي فكرة بالية مطلقاً، تماماً كمشد الأسلاك للمرأة، والبطن الكبير للرجل.

فقد قال "باستور" (Pasteur) "يجب أن نعمل طيلة حياتنا". وفي سنة 172 قبل المسيح (عليه السلام) كتب "غاليان" (Gallien): "العمل صحّة الرجال وسعادتهم".

يجب أن تكونوا نشيطين أنثاء حياتكم كلّها. ألستم بحاجة إلى مكافأة على جهودكم؟ مكافأة روحية؟ مكافأة مقدّسة؟ بالتأكيد، ولكن ليس بالضرورة أن تكون مكافأة مقدّسة على هيئة مال.

نحن بحاجة إلى اهتمامات، خلال النصف الثاني من حياتنا، فكيف نكتشف هذه الاهتمامات؟

 باهتمامنا، بحيويةٍ، بكلّ ما يحيط بنا، من التفاصيل الصغيرة حتى الكبيرة التي تجري تحت عيوننا والباقي يأتي وحده.

حاولوا، إنّه سهل جداً أكثر مما تتصورون ►.

 

المصدر: كتاب سرّ الجمال والشباب الدائم

تعليقات

  • رانيا

    قد يزيد عن نسبة الإنسان الذي يقرأ نسبة 80/100 على اختلاف الذي لايفهم مايقرأ نسبته اقل من 4/100

ارسال التعليق

Top